احتل الحجاج بن يوسف الثقفي مكانة متميزة بين أعلام الإسلام، ويندر أن تقرأ كتابًا في التاريخ أو الأدب ليس فيه ذكر للحجاج الذي خرج من سواد الناس إلى الصدارة بين الرجال وصانعي التاريخ بملكاته الفردية ومواهبه الفذة في القيادة والإدارة.
ولد أبو محمد الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل بن الحكم الثقفي في منازل ثقيف بمدينة الطائف، في عام الجماعة 41هـ. وكان أسمه كليب ثم أبدله بالحجاج. وأمه الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي الصحابي الشهيد.تتلمذ علي يد سعيد بن المسيب التابعي الجليل وغيره من كبار العلماء والتابعين عمل معلما للصبيان يعلمهم القران والحديث ولم يكن هذا العمل يلبي طموحاته علي الرغم من ان عمله هذا كان ذو تأثير كبير علي حياته فقد كان معظما للقران طيلة حياته .والحقيقة ان الكثير يضع هذه المعلومة ويمضي ولكن مع انضباط الحجاج في ذلك الوقت ولم يوصف بزلة وأري أن هذا العمل الجليل دليل أكيد وواضح علي انه يعرف الدين وحدوده .كانت الطائف تلك الأيام بين ولاية عبد الله بن الزبير، وبين ولاية الأمويين، لكن أصحاب عبد الله بن الزبير تجبروا على أهل الطائف، فقرر الحجاج الانطلاق إلى الشام، حاضرة الخلافة الأموية المتعثرة، التي تركها مروان بن الحكم نهباً بين المتحاربين.
سفرة الى الشام
قد تختلف الأسباب التي دفعت الحجاج إلى اختيار الشام مكاناً ليبدأ طموحه السياسي منه رغم بعد المسافة بينها وبين الطائف، وقرب مكة إليه، لكن يُعتقد أن السبب الأكبر كراهته لولاية عبد الله بن الزبير.
في الشام، التحق بشرطة الإمارة التي كانت تعاني من مشاكل جمة، منها سوء التنظيم، واستخفاف أفراد الشرطة بالنظام، وقلة المجندين. فأبدى حماسة وانضباطاً، وسارع إلى تنبيه أولياء الأمر لكل خطأ أو خلل، وأخذ نفسه بالشدة، فقربه روح بن زنباع قائد الشرطة إليه، ورفع مكانته، ورقاه فوق أصحابه، فأخذهم بالشدة، وعاقبهم لأدنى خلل، فضبطهم، وسير أمورهم بالطاعة المطلقة لأولياء الأمر.
وأريد أن أنبه علي ان بعض من كتب عن الحجاج يلقي بهذه المعلومة ثم ينصرف عنها ولا يلقي لها بالا واني لأرجو أن أنصف الرجل في ذلك , الكل اتفق أن الشرطة كانت في حال متردية حتى أهمت الخليفة فلما تولاها الحجاج ما الذي حدث استقامت وأصبحت علي أحسن حال وأصبح أداؤها في القمة ، لم يضع الحجاج اعتبارا لأحد فكان تطبيق القانون وإصلاح الحال هو الهدف فأبطل الرشاوى والتقاعس من الشرطة ولم يسمح لأحد ان يتخطي القانون أو يتجاوزه حتى ولو كان من كبار الشرطة .والمتأمل لشخصية الحجاج في هذه يري ان الحجاج رجل دولة حقيقي يطمح في إقامة القانون والعدل وان تسير أمور الدولة علي أحسن حال وفي غاية الاستقامة ومن منا لا يرغب في ذلك .
وهذا شأن المخلصين الجادين الذين يهمهم إصلاح الحال وانضباط الأحوال فهو رجل دولة بالمعني الصحيح بهمه أمرها ويشقي لصلاحها ولا يحابي أحدا في مصلحة الدولة العليا فهي فوق كل اعتبار وفوق الجميع حتى وان تصادم في ذلك مع علية القوم .
فجاء الحجاج يوماً على رؤوسهم وهم يأكلون، فنهاهم عن ذلك في عملهم، لكنهم لم ينتهوا، ودعوه معهم إلى طعامهم، فأمر بهم، فحبسوا، وأحرقت سرادقهم. فشكاه روح بن زنباع إلى الخليفة، فدعا الحجاج وسأله عما حمله على فعله هذا، فقال إنما أنت من فعل يا أمير المؤمنين، فأنا يدك وسوطك، وأشار عليه بتعويض روح بن زنباع دون كسر أمره.
وكان عبد الملك بن مروان قد قرر تسيير الجيوش لمحاربة الخارجين على الدولة، فضم الحجاج إلى الجيش الذي قاده بنفسه لحرب مصعب بن الزبير.
ولم يكن أهل الشام يخرجون في الجيوش، فطلب الحجاج من الخليفة أن يسلطه عليهم، ففعل. فأعلن الحجاج أن أيما رجل قدر على حمل السلاح ولم يخرج معه، أمهله ثلاثاً، ثم قتله، وأحرق داره، وانتهب ماله، ثم طاف بالبيوت باحثاًً عن المتخلفين. وبدأ الحجاج بقتل أحد المعترضين عليه، فأطاع الجميع، وخرجوا معه، بالجبر لا الاختيار.
وفى عام 73 هجرياقرر عبد الملك بن مروان التخلص من عبد الله بن الزبير، فجهز جيشاً ضخماً لمنازلة ابن الزبير في مكة،